القاهره ١٨٧٥م أحد الخاصة
“المخصيين” فى التاريخ المصري.. “حكاية حزينة من الماضي”
نوع من “البشر” اللى قصتهم حزينة وكانوا موجودين فى منطقتنا العربية وفى مصر أيضا ربما لغاية اختفاؤهم من 100 سنة بس هما “الخصيان”، و”الخصي” هو الشخص الذى جلب “عبدا” صغيرا، ثم تم خصيه بإزالة أعضاؤه التناسلية، لغرض واحد وحيد على الأرجح هو أن يكون راعيا لـ”حريم” الأثرياء، وخادما لهم، دون أن يخشى عليهم من أي شر..
ورغم إن “الخصي” أو “الجب” هي محرمة فى الشريعة الإسلامية، إلا إن “الخصي” كان دايما موجود فى تاريخنا، وملازم للأغنياء وظاهرة “تعدد الزوجات”، و”ملكات اليمين”، وكان هناك إقبال واسع بين الأثرياء على اقتناء هؤلاء “المخصيين” فى دورهم الفارهة..
فى كتابه “لمحة عامة إلى مصر” بيتناول الطبيب الفرنسي الشهير، ومؤسس الطب الحديث و”قصر العيني” فى مصر “أنطوان كلوت”، أو “كلوت بك” كما عرفه المصريين، بيصف هذه العملية الوحشية للخصي فى مصر، وتجارتها اللاإنسانية، وإزاي إن مصر فى عهد محمد علي وخلفاؤه أصبحت المصدر الأهم لـ”الخصيان” فى الشرق كله وتصديرهم إلى كامل المنطقة العربية، وخاصة الأستانة حيث يقبل رجال الدولة العثمانية على شرائهم بكثافة..
بيقول كلوت بك، إن هناك مدينتين مصريتين بيتم فيهم عملية “الخصي” أو الجب، وهما “أسيوط” و”جرجا”، وبيستهجن بشدة إن القائم بهذه العملية فى هذه المدينتين هما من “رجال الأكليروس القبطي”، وبيصفهم أنهم عار على الدين والإنسانية..
وبيحدد كمان “قرية دير الزاوية” الموجودة بين أسيوط والغنايم حاليا كأشهر مكان بيتم فيه عملية “الإخصاء”، وبيطلق عليها إنها “عاصمة السفاحين” المجرمين الذين يقومون بهذه الفعلة البشعة، قبل أن يبدأ فى وصف عملية اختيار الضحايا، وطريقة خصيهم المؤلمة..
تقريبا عملية الخصي كانت بتتم كل سنة لحوالي 300 شخص، بيختاروهم من صغار العبيد القادمين من السودان، فى اعمار من ست إلى تسع سنوات، بيتم شراء العبد من دول بقيمة من جنيه ونصف إلى ثلاث جنيهات..
وفى فصل الخريف من كل سنة، حيث الجو معتدل فلا فرصة لالتهاب الجروح، بيتم عملية بتر كافة الأعضاء التناسلية الخاصة بالعبد المسكين وإزالة كل ما برز عن جسده وليس عضوه الذكري فقط، ثم بيتم صب زيت مغلي على مكان الجرح، وتركيب أنبوبة فى الجزء الباقي من مجرى البول، ثم يتم دهن مكان الجرح بالحناء، ودفن الفتى المعذب فى الأرض إلى ما فوق البطن لمدة 24 ساعة، وبعدها يستخرج من التراب ودهان الجرح بعجينة من الطين والزيت..
طبعا العملية كانت بتتم بدون أي “تخدير”، أو مسكنات، أو مضادات التهاب أو مضادات حيوية بكل تأكيد، لأن العلم لم يكن قد توصل إلى هذه الأشياء، ولذلك فكلوت بك بيقول إن ربع الغلمان المساكين اللى بيتعرضوا لهذه الممارسة كانوا بيموتوا تقريبا، أما الباقي فبيقضي حياته فى الكثير من المعاناة الجسدية والنفسية بكل تأكيد..
واحد من المظاهر اللى لازمت ظاهرة “الجب” هي ظاهرة التعظيم ليهم، لدرجة إن كبير الخصيان فى الأستانة يعد من أعاظم رجال الحاشية السلطانية، وإن السلطان محمود رفع أحد خصيانه إلى مرتبة البشوية..
ولعل أشهر الخصيان فى تاريخ مصر، هو الوالي “داوود باشا الخادم”، والي مصر فى الفترة من 1538 ميلاديا وحتى 1550 ميلاديا، ومازال المسجد الذى يحمل اسمه قائما إلى اليوم فى “سويقة اللالا” بالسيدة زينب، وطبعا التصق اسمه بوجبة شهية يحبها المصريين إلى اليوم وهي “كرات اللحم” أو “كفتة داوود باشا”، وقد كان معروفا بكونه رجل صالح، محب للعلم، وصاحب لمحة صوفية، وكان محبوبا من المصريين..
من الأمور المهمة لـ”الخصي” انهم استخدموا فى خدمة الحرم المكي، والكعبة، وكان الخصي الذى يخدم فى الحرم المكي يطلق عليه “الأغا” وتعني “السيد”، وكان لهم مقر إقامة فى مكة بالقرب من الحرم، تسمى حارة الأغوات، ومازال عدد قليل من الأغوات على قيد الحياة حتى الآن فى المملكة العربية السعودية..
نرجع تاني لمصر، فعن مواصفات “الخصي” بيقول كلوت بيك، إنه يعرف الخصي عامة بمظهره الخارجي وهيئة جثمانه، فإنه يكون أمرد سليب اللحية والشاربين، بجسم فيه ميل إلى السمنة، وصوت أنثوي، وبيكون هناك عوامل نفسية أيضا نتيجة المحنة اللى مر بيها، فبيقول إن فيه نزعة إلى الأذى، والخوف، وسرعة الغضب، وهي نتائج طبيعية لما يشعر به من سقوط شأنه وانحطاط مكانته وزوال أخص صفات الرجولة عنه، بحسب ألفاظ “كلوت بك”.
فى آخر كلامه عن “الخصيان” بيوجه كلوت بك، رسالة إنسانية إلى أوروبا والدول الغربية التى انتقدها بأنها تتدخل فى أخص شئون الشرق بشكل يسبب لها الكثير من الضرر، بأن تتدخل ولو مرة بشكل نافع إنساني وتناشد ولاة الأمور فى الشرق وسلطان تركيا، ووالي مصر، لإيقاف هذه الممارسة البشعة..
وربما ظلت رسالة كلوت بك هباء منثورا، ولم يستجاب لها إلا بعد وفاته بـ 9 أعوام، حين وقع الوالي إسماعيل معاهدة إلغاء الرق مع بريطانيا سنة 1877 وسط معارضة كبيرة من كبار قادته ورجاله، لأنهم رأوا فى هذه التجارة وسيلة جيدة لجلب الأموال إلى خزانة الدولة عبر الضرائب والجمارك المفروضة على العبيد.. ونقدر نشوف ده طبعا فى حديث “نوبار باشا” أول رئيس وزراء لمصر وهو ينتقد هذا القرار فى مذكراته..